فوجئت ذات يوم بإضافة شخص مجهول بريدي الالكتروني المحصن فمنذ إقامتي له لم يجرأ أحدا غريبا مجهولا على إضافتي لأني وضعت ساحة محصنة لا يجرأ أي شجاع على المحاولة في تخطي عقباتها.
بعد الذهول الذي راودني لبضع هنيهات قمت بإلغاء
طلبة ورفض أي شيء قد يصلني به لأني لا ارغب في تغيير بند من دستوري المشهور ..
لم يكن هذا اليوم عاديا فمنذ زمن بعيد لم أتكلم مع غريب فقد اعتدت على العيش وحدي ومناقشة مشاكلي مع نفسي فقط كأنني وضعت نفسي في منطقة حظرة لا يسمح لأحد عبورها فهل بعد كل هذا سوف أغير دستوري فقط لان احدهم أراد المحاولة في عبور المستحيل ليصل لشيء لم يستطع الكثيرين حتى التفكير في انجازه .
تخبطتُ لبضعة أيام بيني وبين شبيهتي فهل اصدق كلامي أم كلامها المتعاكسان تماما .
كنت مصرة على عدم التفكير في التغير ولكنها أقنعتني ببضع حكم لاستمر مع الحياة واجتياز كل التغيرات بها ولا أقف وانتظر قطارا قد رحل منذ قرون .
حصل حوار هجومي ولكنني استطعت إقناعها بأنني على حق فنحن لسنا مجبرين على تغير كل عادة قد تظهر في الحياة لأننا لا نضمن أي ناتج من هذه التغيرات, تبين لي عندها بأنها بدأت تقتنع بكلامي المبهم كثير التعقيد كعادتي .
مرت الأيام يوما بعد يوم , ساعة تلو الأخرى كأنها سنين على الحياة الأخرى التي لم اعرف عنها سوى أنها عدوتي وأنني استطيع محاربتها وإقناعها بمعتقداتي الملقبة بالتفاهات التي لا تحمل أي عبرة ومعنى لهم .
أصبحت الآن في سن السابعة عشر ومنذ خمسة سنوات سابقة وأنا أرى في كل مرة ادخل بها على بريدي المحصن هذا الشخص العنيد الذي لا يكل من حواجزي بل عند كل حاجز لا يستطيع عبوره يزيد من حماسة وشغفة للوصول للحاجز الأصعب منه فقط ليثبت لي بأنه آمن بحلمة بعبور المستحيلات فقط ليكتشف السر البعيد الذي يوصله بعد اجتياز كل هذه العقبات .
ذات ليلة قررت بعد تردد كبير بان أتجرأ وافتح النافذة للمرة الأولى في حياتي لأني كنت حينها مشتتة الفكر وضائعة بين مفترق طرق فهل استمر لمماتي بهذه الحياة التي تمتلك أياما تشبه بعضها البعض أم أخوض معركتي مع حياة تتجدد في كل يوم ونهار .
جلست مكتوفة الأيدي اختبئ وراء ستار شفاف أتأمل حياة الباقين وأتخيل نفسي بينهم .
غلبني النعاس فقررت أن أغلق عيناي وأنا أشاهد الطريق الأول من مفترق طرقي .
عند الصباح قررت أنا أجرب يوما آخر من الطريق الثاني الذي لربما سوف اسلكه .
حل الظلام الدامس واحضر معه لحظة الحسم, تصارعت دقات قلبي وسكن البيت لحظة انتظار طويلة , بعد تفكير عميق قررت أن استقبل هذا العنيد وأرحب به كأول غريب يدخل بريدي الالكتروني ولكن بشرط أن يتمحور حديثنا فقط حول وصف عالمهم بدون معرفة الواحد منا اسم الآخر .
تعرق جسدي وارتجفت يداي عندما جلست أمام
الحاسوب لأطبق قراري وفي لحظة الارتباك هذه خرجت من جسدي يد حديدية ووضعتني تحت أمر الواقع .
عند كل زقزقة عصفور وأشعة شمس حارقة وغيوم كثيفة وبروز القمر في منتصف السماء الذي يتمحور بين نجوم متلألئ كنت أتحدث معه مع الإنسان المجهول الذي أشعرني بأنني ربما استطيع التأقلم مع عالمهم .
ودعت الأيام يوما بعد يوم التي كانت تنقضي كأنها نسمة هواء عليل تزيل جروح الماضي الكئيب والحزين .
في اليوم الأول من استقبال ثاني شهر على محادثة المجهول استقبلت رسالة موجهة لي من المجهول يطلب مني شيئا لم أجرؤ على التفكير به طيلة صفحات حياتي فقد قرر بان يحملني من حياتي إلى عالم غريب لا اعرف عنه سوى القليل .
طلب مني أن ازور كوخ صغير يقع على ساحل بحر قد امتلأ من ذكريات البشر الحزينة ذو نوافذ بيضاء تنير درب التائه حوله أزهار تمنح اليائس لحظات من الأمل والتفاؤل نحو المستقبل والمضي قدما في هذه الحياة .
أصبت بصدمة كبيرة لأنني قد وافقت على طلب غريب لم أتوقع في حياتي أن أوافق عليه .
لمُت نفسي عدة مرات على ضعفي نحو معرفة المجهول وعالمة الغريب .
استقبلت في اليوم الثاني رسالة تحمل لحظة الحقيقة , بها مدون تاريخ وساعة التقائنا في هذا الكوخ الذي سيشكل معبرا لي من حياة إلى حياة أخرى مبهمة .
ارتديت ثوبا ثمينا لم ارتديه سوى مرة واحدة عندما ودعتني أمي ورحلت وتركتني في هذه الدنيا أتخبط بين جدرانها العالية الشامخة .
نبهت جسدي بان يستعد لهذا الانتقال الذي لربما سوف ينقلني من زهرة إلى زهرة كالشرنقة التي شقت طريقها نازعة آلام الطفولة .
دقت ساعة الحسم فقد رأيت أطراف الكوخ من بعد لا يتجاوز الخمسة أمتار وقفت لهنيهة ونظرت خلفي لأودع آلامي الحزينة واستقبل حياة جديدة الذي أرشدني إليها شخص مجهول الذي سيصبح صديقا بعد مروري المعبر الحاسم .
طرقت الشيء الذي يسمونه جرسا لأعلم بأنني قد وصلت وبأنني جاهزا للانتقال , انتشر صدى الجرس في أطراف المنزل ليخبر المجهول بأنني جاهزة ..
لاحظت عيناي تحرك مقبض الباب نحو الأسفل, تسارعت دقات قلبي ,ارتجفت يداي ,تعرق وجهي وتحضر لرؤية المجهول .
رأت عيناي رجلان كبيرتان , يدان صارمتان , ومنكبين عريضان ووجه قد أشعرني بالطمأنينة نحو هذا المجهول .
جلست بالقرب من الموقد بسبب البرد الشديد الذي أصابني والمجهول جلس أمامي لنتأمل بعضنا البعض.
بعد محادثة طويلة امتدت حتى انطفاء الشمس وظهور القمر اقتنعت بأنني استطيع خوض هذه التجربة في الانتقال من نمط حياة إلى نمط آخر لا يشبهه إطلاقا مع شخص نظيف القلب يدعى فادي
الذي سوف ينير دربي في الوصول إلى المجهول , إلى حياة لا اعتقد أنني كنت اقدر على العيش بها
ولكن لأسباب معروفة استطعت بمساعده صديقي بخوض تجربة العيش في حياة ذات نمط مختلف .
تحياتي